Safi la belle ville portuaire négligée
آسفي نحن لا ننتقد، نحن نبني
كلّما تذكّرتْ ماضيها، تنقبض ملامحها البحرية ويُصيبها الإحباط، فترتدي جلّابيتها وتضع “القبّ” على رأسها. تمضي إلى باب الشعبة والفخّار وسيدي بوزيد. أماكن بمثابة فيتامينات تستمدّ منها قوّتها. تستمدّ منها الرغبة في البقاء.
خلال جولتها، تمّر بكلّ الأزقة، لكنّها تتفادى المرور من “الدريبة المزوّقة”. كما أنها لا تطلّ أبداً على “شارع الرباط ” كي لا يغمى عليها. لقد خاصمت الشارع المناضل. قاطعتْه منذ غزته التجارة العشوائية. تشعر بالخجل كلّما تمعّنت في “الناموسيات” المزركشة بأحذية وملابس وأواني صينية. الشارع حزين حدّ البكاء، والروائح الكريهة المنبعثة من السوق لا تشجع على النزهة.
من بين الطقوس التي كانت تحرص دائما على ممارستها، أن تقف قرب قصر البحر وتتحدّث إلى سيدي محمد بن صالح. تشاركه غضب الساكنة وتستنجد به :
سيدي ، النفايات في كلّ مكان: في الأزقة، على السكة الحديدية قرب سوق العفاريت وفي شارع كينيدي. صناديق القمامة البلاستيكية عفنة جدّا جدّا جدّا وتثير التقيؤ. لا يمكن الاقتراب منها لرمي كيس القمامة. على الأرصفة يتبختر سراق الزيت، الصرصار اللعين، بل وصار يطير… أمّا روائح زنقة ادريس بناصر العطرة (السوق الخانز)، فهي لا تُحتمل. هذه النفايات المجرثمة التي تزخرف المدينة، لا بد وأن تتسبّب في أمراض ما. من يدبّر شؤون النفايات؟ إن كانت شركة خاصة، فهي لا تقوم بعملها كما يجب ! اللهمّ إنّي بلّغت !
سيدي ، رائحة مصانع الكيماوي تخنق أبنائي منذ عقود
سيدي ، مستشفى محمّد الخامس ومرضاه ينادونك… يستنجدون بك وبالسلطات العليا في مجال الصحة علّها تداوي أمراضهم الدنيا.
سيدي ، لا أحد يهتم بصحّة البيوت ولا بمنظرها الخارجي. كم صارت هيأتي قبيحة! مَن السائح الذي سيحلم بزيارتي؟ لا أحد سوى أبنائي يزورني، لارتباطهم العاطفي بي وبعائلاتهم.
سيدي الوليّ، قُبح وروائح وجراثيم وقلة ذوق هندسي واستعمار بدوِيّ لشوارعي وتلوّث بيئي وصوتي وبطالة وتسوّل وفقر… سيدي، أين المشاريع التنموية، أين السياسة السياحية، أين الحسّ الجهوي؟ أم أنها شعارات لا غير؟
منذ أزيد من عشرين سنة وهي تستنجد بالوليّ سيدي بن صالح دون أن يستجيب.
اعتقدتْ في بداية الأمر أنّ قبّ الجلابة منعه من التعرّف عليها، غير أنّ القبّ ليس مسؤولا، لأنّها أزالته ذات صباح؛ ورغم ذلك، لم يتعرّف الوليّ الصالح على وجه مدينته الذي تجعّد. مدينة آسفي، المدينة المغضوب عليها. المدينة التي نبت فيها النخيل فجأة عندما زارها الملك. مدينة آسفي هي المُطَلّقة بالثلاث وبدون حقوق، المدينة التي تحتضر، ورغم ذلك لاتزال تؤمن بالبعث.
أبناء آسفي، سواء القائمون بها أو العائدون إليها لزيارة العائلة والأصدقاء، مستاؤون جدّاً ممّا آلتْ إليه. الجميع ينتقد الوضع بشدّة، في البيوت والمقاهي والحمّامات وعلى الشبكات الاجتماعية.
هل يجب أن ننتظر زيارة ملكية لينبت النخل من جديد وتنتعش جدران البيوت بالجير ويكنس العمّال الشوارع والأزقة والسكك الحديدية وتعتني المدينة بأكياس القمامة وصحّة الساكنة؟
هل ننتظر زائرة أجنبية بكاميرا تصوّر نفايات وقبح المدينة، وترمي بها في اليوتوب لكي يستيقظ المسؤولون؟ أم لعلّهم ينتظرون غضبة ملكية ؟
أولياء المدينة مسلمون ويهود، ساكنة المدينة، جدران المدينة… كل هؤلاء يرددون على مسامع المسؤولين بأن وضع آسفي أصبح مأسوفا عليه. يطالبونهم باسترداد كرامتها ويطرحون جميعاً سؤالا يتيما : ” مدينة آسفي: إهمال أم ماذا بالضبط؟ “
مريم مروازي / سبتمبر 2018
نوتة كلّ تشابه مع وضع مدينة أخرى ليس بمحض الصدفة *القبّ : قبعة الجلباب *الناموسية : سرير من حديد، قديم، صدئ |