Ressources

Najat Ghoufrane

 

تهرّبت دائماً من دخول هذا العالم، رغم أنّني فكّرت مراراً في أنّ عليّ أن أعرف على الأقلّ كيف يدخل الناس إليه وماذا يفعلون وكيف يخرجون منه…

قرّرت إذن في النهاية أن أخوض التجربة، ودفعت ذات صباح مُشمس باب المركز الزجاجي الأنيق ودخلت. كنت في بداية الأسبوع الثاني من إجازتي السنوية. لم أجد في البيت ما يشغلني. برامج التليفزيون مملّة ومشابهة وأغلب صديقاتي مشغولات. أنهيت الرواية التي كنت أقرأها، ولم تكن هناك أعمال منزلية تتطلّب انشغالي، حتى النعاس لم أكن أشعر به. لم يبق لي إذن غير الإنترنت.

رحّب بي الأستاذ حسن وبدا مندهشاً رغم ذلك.

جلست وبقيت أحدّق في الكمبيوتر بغباء. كلّا! لم أكن غبية إلى أقصى حدّ. شغّلت الجهاز. لدينا مثله في الصيدلية وأعرف كيف أتعامل معه.

عاد الأستاذ حسن وبدأ يشرح لي ما هو الإنترنت، وكيف أختار وأشغّل محرّك البحث، وكيف أفتح موقعاً، وكيف أنتقل من صفحة إلى صفحة… كل ذلك بسرعة شديدة وبصوت مرتفع أكثر مما ينبغي… هكذا قدّرت.

كان يردّد كل حين: “مفهوم؟ مفهوم؟”. عرف كل من في الجوار أنّني جديدة.

تنحنح الجالس قربي، شابّ نحيل يضع نظّارات سميكة وعرض عليّ المساعدة. سألني أين أودّ أن “أبحر”، ولم أعرف ما أقول. اقترح عليّ مواقع فنيّة وثقافية ورياضية، وأخرى مُسلّية. ثمّ أكّد لي أنّ أكثر ما يجلب الناس إلى الإنترنت بشكل عامّ هو التعارف. أيّ تعارف؟ سألت. وجاءني الردّ لبقاً: “التعارف مع أشخاص من ثقافات مختلفة وبلدان بعيدة ومتنوّعة ومناقشة أفكار وقضايا مهمّة”. جذبتني الفكرة وسارعت بمساعدة جاري إلى تنفيذها.

فركت عينيّ بعد حين بتعب، أهذا هو الإنترنت؟! صداع ووجع رأس وتعب عينين ورأس وتعب عينين وبحث لا ينتهي، وتعارف من نوع عجيب؟!!

بين عشرات الأشخاص الذين تحاورت معهم، هذا الذي يسمّي نفسه قيساً. لا يكفّ عن إرسال الرسائل العجيبة!

اختلست نظرة لشاشة جهاز جاري. كان قد انتهى من كتابة بضعة أسطر ختمها بإمضائه، قيس!

تركت مكاني بغضب وغادرت المركز.

حقاً… إنّه عالم آخر. عالم مجانين، يبدو أنّ التكنولوجيا لا تنفع معي. صمّمت على ألّا أدخل المكان مرّة ثانية.

نجاة غفران (بتصرّف)

مجلة “سيدتي” – 26/8/2000

Bouton retour en haut de la page